الأطماع الدولية… حين ينتظر الجميع الفرصة
العالم اليوم يقف على حافة تحوّلٍ تاريخيٍ جديد، تتنازع فيه الأمم بين حلم القيادة وهاجس البقاء. تتبدل التحالفات كما تتبدل الفصول، وتتعالى الأصوات باسم المصلحة لا المبادئ. لم يعد النظام الدولي كما كان بعد الحرب الباردة، حيث كانت الثنائية القطبية تحكم العالم؛ بل تحوّل المشهد إلى فوضى متعدّدة الأقطاب، تتنافس فيها القوى القديمة والجديدة على صياغة شكل النظام القادم.
تتخفّى الأطماع خلف الشعارات، وتُدار المعارك بأدوات ناعمة: العقوبات، الإعلام، التكنولوجيا، والطاقة. وكلّ طرفٍ، مهما علا شأنه أو ضعف، ينتظر لحظة التوازن التي تتيح له أن يمدّ يده إلى الكرسي الشاغر في مجلس القوى العظمى.
عن الأطماع الدولية وانتظار الفرصة أتحدث.
ترمب: يجسّد الوجه الصريح للهيمنة الأمريكية، يؤمن بأن العالم لا يُدار إلا من واشنطن، وأن التحالفات لا تقوم إلا بقدر ما تخدم شعار "أمريكا أولًا". يريد أن يعيد لبلاده مجدها الصناعي والاقتصادي بأي ثمن، ولو على حساب النظام الدولي نفسه.
شي: يرى أن لحظة الصين قد حانت؛ فهي لم تعد مجرد مصنعٍ للعالم، بل عقلُه الاقتصادي، وتطمح لأن تكون قطبًا سياسيًا وعسكريًا موازٍ لأمريكا. يسعى لانتزاع الاعتراف بالعصر الآسيوي الجديد الذي تتزعمه بكين.
بوتين: يُعيد تشكيل الدور الروسي وفق رؤيةٍ إمبراطورية حديثة. يستحضر ذاكرة القياصرة لا حبًا في الماضي، بل لإعادة الاعتبار لمكانة روسيا في ميزان القوى. من أوكرانيا إلى القوقاز، ومن الشرق الأوسط إلى إفريقيا، يتحرك بثقة المنتقم من زمنٍ رآه مهينًا لبلاده.
ستارمر: يواجه إرث بريطانيا المتهالك بعد "البريكست"، ويجاهد للحفاظ على ما تبقّى من نفوذٍ سياسي واقتصادي في ظل تراجع الصوت البريطاني في أوروبا
والعالم.
ماكرون: يقاتل لتثبيت صورة فرنسا كقوة فكرية وثقافية وعسكرية. لكنه يواجه أزمة هوية داخلية، وتراجعًا اقتصاديًا يهدد الحلم الفرنسي الكبير.
شولتس: يجد نفسه في قلب المعضلة الأوروبية. يحاول الحفاظ على قوة ألمانيا الصناعية ووحدتها السياسية، وهو يدرك أن بلاده محاصرة بين الضغط الأمريكي والاحتياج للطاقة الروسية والسوق الصينية.
ناروهيتو: يرمز إلى اليابان المترددة بين الماضي والحاضر؛ تسعى بلاده لتثبيت هويتها القومية دون استفزاز الجار الصيني أو الابتعاد عن المظلة الأمريكية. في عهده، اليابان تنتظر، تراقب، وتتحرك بخطى محسوبة في شرقٍ لا يرحم المتسرّعين.
ميلوني: توازن بين ولائها لحلفائها الغربيين وبين حلمها باستعادة إيطاليا لدورٍ أوروبيٍ فاعل. تسعى لإثبات أن روما لا تزال قادرة على أن تكون لاعبًا لا تابعًا.
إيران: تدير سياستها بصبرٍ فارسيٍ طويل. تراكم أوراق القوة عبر الميليشيات والملفات النووية، بانتظار لحظة تفاوضٍ عالمي تجعلها ندًا لا تابعًا.
تركيا: تلعب على حافة التناقضات. تجمع بين طموح الإمبراطورية العثمانية القديمة وضرورات الاقتصاد الحديث، وتستغل التناقض الأمريكي–الروسي لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
الهند: تتسلّق بهدوء. تجمع بين التكنولوجيا والسكان والنفوذ الإقليمي لتكون القطب الثالث في العالم. لا تصطدم، لكنها لا تتنازل، وتراهن على الزمن كحليف استراتيجي.
إسرائيل: تستثمر كل أزمة لزيادة مكاسبها. تكرّس وجودها عبر دعمٍ أمريكي غير مشروط، وتعمل على إعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة بما يخدم تفوقها الدائم.
السعودية: تعيد رسم دورها الإقليمي والدولي. تحاول أن تكون مركز التوازن بين الشرق والغرب، بين واشنطن وبكين، وتستخدم قوتها الاقتصادية والدينية لصناعة واقعٍ جديدٍ في الشرق الأوسط.
مصر: رغم أعبائها الاقتصادية، تسعى لاستعادة دورها القيادي في محيطٍ مضطرب. ما زالت تمتلك الثقل الجغرافي والبشري والتاريخي الذي يجعلها، إن نهضت، قادرة على التأثير في معادلة الإقليم.
الإمارات: تبني قوتها بهدوءٍ وذكاء. تدرك أن النفوذ في هذا العصر لا يُقاس بالمساحة ولا بالسلاح، بل بالاقتصاد، والقدرة على المبادرة.
قطر: توظف أدواتها الإعلامية والدبلوماسية بدقة. تعرف متى تتحدث ومتى تصمت، وتستغل الفراغات الإقليمية لصناعة حضورٍ يفوق حجمها الجغرافي.
البرازيل: تطمح لأن تكون صوت الجنوب في مواجهة هيمنة الشمال. تراهن على تحالفات "بريكس" لتعيد التوازن بين القوى الاقتصادية الكبرى.
جنوب إفريقيا: تحاول أن تجد لنفسها موقعًا ثابتًا في معادلة الجنوب العالمي، محافظةً على استقلال قرارها رغم ضغوط القوى الكبرى.
هكذا يبدو العالم في مرحلة إعادة الاصطفاف الكبرى. لا أحد في موقع الاطمئنان، فالجميع ينتظر: من يملك القوة ينتظر اللحظة ليُعلنها، ومن يفتقدها ينتظر ضعف خصمه ليقفز مكانه.
تتحرك الأمم لا بدافع المبادئ، بل وفق منطقٍ باردٍ يُديره ميزان المصالح، حيث القيم تذوب في حرارة الصراع، وتبقى الحقيقة الوحيدة أن التاريخ لا يرحم المترددين.
العالم اليوم لا يكتب فصلاً جديدًا فقط، بل يعيد تعريف القوة ذاتها — لا بالسلاح، بل بالقدرة على انتظار اللحظة وصنعها في آنٍ واحد.
حمدي المصري

